الترجمة بين الهرولة... وفقدان الذاكرة جريدة الطليعة
البدري الخولي

albadry_alkholy@hotmail.com

هل نضبت كل الثقافات البشرية؟ وهل عميت عنا كل الحضارات الإنسانية؟ حتى نهرول ونفكر في ترجمة كتب إسرائيلية صهيونية، أم صار التحرش البغيض والمساس بالمقدسات التاريخية، عملا بطوليا، يسعى إليه كل من يريد بأن يرضي قوة خفية وهلامية، نشعر بسيطرتها ولا نراها، والتي يمكن لنا أن ننعتها، بالتزاوج الباطل بين السعي العابث للمناصب المحلية والدولية، على حساب تدمير متحف آمال وألام الأمة، وثقب ذاكرة الوعي التاريخي، علما بأن الترجمة هي فن رؤية الآخرين ورصد تقدمهم ومعاينة حضارتهم، وقبل كل شيء لابد من تواجد علاقة احترام ثقافي وحضاري ملموس بين اللغات المترجم منها واليها، حتى تأتي ثمار الترجمة فائدتها، فهل يستطيع عاقل أن يغمغم بإشارة قبول واحدة تتيح لعاقل آخر بأن يترجم عن كتاب إسرائيليين، يكتبون بأحبار من دماء أطفالنا الصغار، ويسطرون حروفهم على رفات الأجداد والآباء. ماذا نقرأ عن شعب سجل أكبر قضية سرقة واغتصاب في التاريخ؟ ولماذا- اليوم- تفضحنا الحاجة الماسة إلى ترجمة تلك الكتب الصهيونية؟.
والشيء الذي يخجلني ويقزمني حتى لا أراني كوني عربيا، هو رفض الكتاب اليهود أن نترجم عنهم، إلا بشروطهم التي تنبع من تحت جدار العنصرية، ومن تلك الشروط المذلة، هو عدم كتابة أي مقدمة للكتاب المترجم، تحاول أن تفسر أو تصحح ما جاء في الكتاب، حتى لو كانت به مغالطات تاريخية وأفكار عدائية ضد الناس الآخرين.
وكذلك عدم عمل أي هوامش جانبية، تحاول أن توضح المعنى، ويوجد الكثير من الاشتراطات المغلفة بالذل والركوع للسادة التواقين للمعرفة
الإنبطاحية. ويباغتنا أحد المهرولين صوب الترجمة من العبرية إلى العربية قائلا، إننا سوف نترجم الكتب الإسرائيلية من كتب إنجليزية، وكأنه يصر على أن الترياق الوحيد للجهل والتخلف العربي يكمن في الفكر اليهودي الذي راح يحتال بشتى الطرق لجلب أفكار ملائكية تسمو بالروح وتقدس العدالة الكونية، وتذهب عنا غبار الخلافات الفردية،
ويأتينا صوت متوارٍ خلف الظل، يحمل الخزي في ضعفه وباهتة حروفه، أن الترجمة عن الإسرائيليين تدخل في إطار سياسة «اعرف عدوك» وكأن عدونا لا يراه أحد، ولا تعرف أفعاله عيون الصغار، الذين استبدلوا كل المفزعات المعروفة و الموروثة من خوف ورعب ووحشية ودموية لا تنضب، بصدى حروف كلمة «إسرائيل»، والشغوف بالترجمة عن الصهيونية، ويدعي أنه يريد أن يترجم روايات وقصصا وشعرا، وكأن الادب العربي قد أعلن إفلاسه الإبداعي والفكري، أو قد استطعنا أن نترجم آخر كتاب في الادب الانجليزي أو الفرنسي أو الاسباني،
ماذا نسمي تلك الطريقة التي نحاول أن نرضي بها عدونا، أنسميها، غباء ثقافياً مركباً؟ أم خيانة لذاكرة الماضي؟ الذي ما زالت حمم خطواته المقهورة لم تبرد بعد، كيف نقبل فكرة أن نجمل صورة عدونا الذي يتصرف معنا من منطلق عقائدي بحت، ويصر بأنه هو الاسمي والمنقى، والقاتل كي يبقى، ومن ناحية آخري، لماذا لا يترجم عن هذا العدو الذي يريد أن يلبس ثوب البراءة في بعض كتبه الأدبية، كتبه السياسية،» التي تفسر ماهية تصرفاته العنصرية، التي لا تقبل الأخر، حتى داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي الواحد توجد تفرقة وأنانية بين يهود الشرق (السيفارديم) ويهود الغرب (الأشكينازيم)،
جل الذي أخشاه، هو أننا قد تحولنا إلى مجتمع بلا ذاكرة حقيقية، وذلك حين أن نوهم أنفسنا وندلس على ذاتنا، أننا نترجم ونتقرب، كي نرى عدونا، وكأنه سراب وشك وحكاية خرافية، بأي مساحة وجه يملؤها العار، ننظر في أعين أطفالنا الصغار الذين رأوا بيقين أعينهم، طفلا يقال له «محمد الدرة» الذي مات أمام العالم، في حضن أبيه والتي لمحت كل الدنيا نظرة اليأس القاتل و الموصول بشرايين باردة، باعت الدم واشترت بثمنه البخس، زجاجات الكولا، والبيتزا، وأفلام البورنو وتوم وجيري، ولابد لنا أن نعرف كيف نرى الأخر، كما يرانا وليس كما يريد هو أن نراه؟
ويدهشنا القائل بملء فيه، ان ترجمة كتب يهودية لا تعد تطبيعا ثقافيا، وإنما تعد مراقبة حثيثة لما يدور من أفكار، في العقل الصهيوني، كل هذا هراء رخيص، لا يرقى على ثمن ما تم دفعه من عذابات وويلات وحروب ومذابح شاهدها العالم، الذي لم نتمكن أن ننتزع منه اعترافا واحدا بظلمنا وعدالة قضيتنا.ماذا أذا فسدت العقول المفكرة للأمة؟ وقايضت وتناست، بل نخشى أن نقول خانت، إني أدعو الذين يهرولون إلى الترجمة من العبرية التي سوف تنقذ الادب العربي من الموت والتسكع في طرقات اللغات المحتضرة، بأن يترجم ما أستحدث الإسرائيليون من معان جديدة من أدوات القتل والوحشية مثل (الفسفور الأبيض - صب الرصاص -عناقيد الغضب - الجدار العازل....الخ).
إني أرى التجرؤ على ترجمة كتبا صهيونية، بمثابة من يترجم مصطلحات كيميائية لتركيبة سم قاتلة، ويشربها هو وأطفاله بدافع المعرفة والعلم. وما دمنا احترفنا لغة الجنون، قليل من الجنون أقول، أن القضية الفلسطينية تدفع بشيء ما مجهول، إلى متحف النسيان، بل يوجد من يجردها من شرفها الأصيل، شيء ما يلوح في أفق الفكر العربي التوعوي ينذر بأعراض فقدان ذاكرة متعمد.
ماذا نخبر أطفالنا وشبابنا، الذي يرى في أعيننا ثقافة الهزيمة الفكرية ووهن العزيمة الفطرية؟ ألا يعلم السيد المترجم، أن إسرائيل تخشى على صغارها من ثقافتنا ولغتنا وتنفرهم منها وتخبرهم أن لغة وثقافة العرب لا تعطي شيئا ولا تقدم شيئا.
أريد من سيد المترجمين أن يترجم لنا العبرات التي كتبها الأطفال الإسرائيليون على بطون الصواريخ المفعمة، بالبارود والفسفور الأبيض،والموجهة إلى أطفال صغار مثلهم في غزة، ومن يراهن على نسيان القضية العربية، أبشره بالخسارة الأكيدة، التي لا تنبع من يقظة عربية متحدة، ولكن ترجع إلى عدونا ذاته الذي دوما ما يباغتانا بهجمات وبحروب مفتوحة ويتفنن في قتل الأبرياء، ويسرف في القتل المجاني، ويتفنن في سلخ الكرامة من وجوهنا،
وما يعزينا هو الرهان الكاسب على ذاكرة أطفالنا وشبابنا، الذي يعي جيدا رصيد فاتورة الكرامة العربية، والذي ينتفض دوما حين يرى رصيد العزة والكرامة قارب محطة الصفر، وجدير بنا أن نُذكر أن الترجمة لا تقتصر أبد على ترجمة الكتب واللغات، والاهم هو ترجمة نبض ومشاعر الأمة الراكضة نحو الحياة الطبيعية العادلة، التي تنبع من إيمان ويقين حقيقيين، يكفلان العيش في سلام يستند إلى قوة ناعمة تداعب الأجيال القادمة، وترسم لهم طريق الأمن والأمان.
albadry_alkholy@hotmail.com

طباعة

0 التعليقات:

إرسال تعليق